مدخل الحكمة: «السبعة الذين يظلهم الله» (منار التربية الإسلامية)
الوضعية المشكلة:
يكون الناس يوم القيامة في مشهد عظيم تتفطر لهوله الأكباد، حملت إلينا الآيات القرآنية والأحاديث النبوية بيانا في شأنه، الأمر الذي يزيد المؤمن حذرا على حذر، ويحمله إلى أخذ الأهبة والعمل لما بعد الموت، وقد أرشد النبي ﷺ إلى كثير من أبواب الخير التي إذا ولجوها أظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
- فماذا يقصد بهذا الظل ويومه؟
- ومن هؤلاء السبعة؟
- وما هي أوصافهم؟
- ولماذا خصهم الله به؟
النصوص المؤطرة للدرس:
النص الأول:
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:
﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾.
[سورة يوسف، الآية: 23]
النص الثاني:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ».
[أخرجه البخاري في كتاب: الجماعة والإمامة]
قراءة النصوص ودراستها:
I – توثيق النصوص والتعريف بها:
1 – التعريف بأبي هريرة:
أبو هريرة: هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، كناه رسول الله ﷺ بأبي هريرة لهِرَّة كان يحملها ويعتني بها، ولد في بادية الحجاز سنة 19 ق. هـ، أسلم سنة 7 هـ على يد الصحابي الجليل الطفيل بن عمرو الدوسي، يعد من كبار الصحابة، وأكثرهم رواية لحديث رسول الله ﷺ، وله في كتب الحديث 5374 حديثا، توفِي بالمدينة سنة 57 هـ.
II – نشاط الفهم وشرح المفردات:
1 – قاموس المفاهيم الأساسية:
يظلهم الله في ظله: المراد به ظل العرش.
يوم لا ظل إلا ظله: المراد يوم القيامة.
سبعة: يقصد به سبعة أصناف وليس سبعة أشخاص
قلبه معلق في المساجد: شديد الحب لبيوت الله.
دعته امرأة: طلبت منه الفاحشة.
منصب: المراد به الأصل والمكانة ويدخل فيه الحسب.
ذكر الله خاليا: ذكر الله في خلوة بعيدا عن أعين الناس.
فاضت عيناه: بكى من خشية الله.
رجل: يقصد به الرجال والإناث معا.
اجتمعا عليه: أي على الحب في الله، وتفرقا عليه كذلك.
2 – مضامين النصوص الأساسية:
استعصام وورع سيدنا يوسف عليه السلام عن الوقوع في الفاحشة بعد مراودة امرأة العزيز له.
بيانه ﷺ للأصناف الذين خصهم الله بظله يوم القيامة بسبب الخصال الحميدة التي تحلوا بها في سلوكاتهم.
تحليل محاور الدرس ومناقشتها:
I – شرح الحديث مع بيان أوصاف السبعة الذين يظلهم الله تعالى:
السبعة الذين يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله يجمعهم أنهم يجدون لذة وحلاوة الإيمان، فعملوا ما عملوا إرضاء لله وخشية منه هذا مما يمن الله به على عباده المؤمنين، وفي ذلك اليوم العظيم حيث يكون الناس في كرب وشدة، إلا هؤلاء فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وهؤلاء السبعة هم:
الإمام العادل: وهو كل من تحمل مسؤولية ما وحكم بالحق وأعطى لكل ذي حق حقه في جميع القطاعات، ويدخل في هذا الباب الحاكم والقاضي والمدير …
شاب نشأ في طاعة الله: هو الشاب الذي وفقه الله عز وجل لعبادته، فراقب الله في سره وعلانيته، فلم تغلبه الشهوة فكان في مستوى النجاح لهذا الابتلاء، فالشباب هم عمدة المجتمع خاصة والأمة قاطبة فبصلاحهم يصلح المجتمع.
رجل تعلق قلبه بالمساجد: المساجد بيوت الله، ومجتمع المسلمين، ومناط وحدتهم، واجتماع كلمتهم فيقع التآزر والتكافل الاجتماعي، فمن تعلق قلبه بالمساجد واجتهد في حضور الصلوات المكتوبة وحضور حلق العلم والذكر بها، أكرمه الله بأن جعله من هؤلاء السبعة، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾.
رجلان تحابا في الله: المراد أن الذي جمع بينهما هو الحب في الله، وتفرقا عليه كذلك فلم يقطعهما عارض دنيوي، فالمتحابون في الله لا مصلحة تحركهم بل تحركهم محبته سبحانه، فيحبون الخير لبعضهم ولغيرهم مما سينعكس على مستوى العلاقات الاجتماعية، فأخوة الدين أقوى آصرة تجمع كيان المجتمع وتؤلف بين بمختلف ألوانهم وأعراقهم.
رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله: وهنا تظهر قيمة العفة ودورها في صيانة المجتمع وحفظ الأعراض والأنساب، وهي من أشد الابتلاءات التي تعرض لها سيدنا يوسف عليه السلام الذي تعفف فعصمه الله وتولى أمره.
رجل تصدق بصدقة فأخفاها: وهي كل ما يخرجه الإنسان من ماله على وجه القربة، سواء كان فرضا كالزكاة أو تطوعا، وهنا تظهر قيمة الكرم والإحسان ودورهما في تماسك المجتمع وتآلفه وانعدام الحقد والحسد وغيرها بين أفراده، فالإنسان الكريم الذي يتصدق ويخفي صدقته حتى لا يراها الناس تجنبا واحترازا من الوقوع في الرياء أو السمعة.
رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه: ذكر الله في الخلوة بالمناجاة والابتهال، بحيث لا يكون عنده أحد وإنما خص بالذكر لأنه في هذه الحالة أبعد عن الرياء، فقيمة الخشوع والخشية حالة لا يعرفها إلا الصادقون، وهذا سيؤثر على سلوكاتهم وحسن سريرتهم فتكون دافعا لهم في المسارعة إلى الخيرات وخدمة المجتمع والحديث يشمل الرجال والنساء أيضا.
II – التحلي بأوصافهم من صلاح المجتمع وسبب في استقراره:
إذا كان التحلي بالأوصاف السابقة سبيل لنيل الأمان من الله عز وجل والتنعم بظله يوم القيامة، فإنها أيضا مفتاح لإصلاح المجتمع واستقراره لأنها موجهة لأفراد المجتمع في كل تجلياته، لما فيها من نشر المحبة واستقرار العلاقات بين الناس وتحقيق التكافل والشعور بالأمان وإنشاء مجتمع فاضل أساس أفراده التعفف وخوف الله والعدل والاستقامة والدعوة للخير والأمر بالمعروف.
III – التعريف بالأخلاق الحميدة والدعوة إلى التحلي بها من الإيمان (الأوصاف السبعة):
إن مسؤولية التعريف بهذه القيم والصفات السبعة وانعكاساتها الجليلة على الفرد والمجتمع والدعوة للتحلي بها، تتقاسمها جميع مكونات المجتمع أفرادا ومؤسسات وذلك من خلال:
مؤسسة الأسرة: تغرس في الناشئة هذه القيم وتصاحبهم في تطبيقها.
مؤسسة المدرسة: تقوم بإدماج هذه القيم في المقررات الدراسية والأنشطة الموازية.
مؤسسة الإعلام: تقوم بتوعية أفراد المجتمع بضرورة التحلي بهذه القيم، وتشجيع الإنتاجات الفنية في غرس هذه القيم.
مؤسسة المسجد: تؤطر الصغار والكبار وتقدم خطبا منبرية ودروسا وعضية في هذا الموضوع، وتبقى التربية بالقدوة هي الضامن الحقيق لغرس هذه القيم السامية بعمق في شخصية الأطفال.
IV – كيف أستفيد من السبعة الذين يظلهم الله يوم القيامة؟:
استحضر الله تعالى في خلوتي وظاهري وباطني.
أداوم على العبادات والطاعات وأتعلق بيوت الرحمان .
أتعفف وأحفظ بصري عن الغير.
أخلص في محبتي لله وللآخر.
أداوم على التصدق والتبرع.
أكون عادلا ومنصفا بين الناس والأهل، فأعطي كل ذي حق حقه.