اقرا ايضا
مدخل الاقتداء: «الرسول ﷺ في بيته» (منار التربية الإسلامية)
الوضعية المشكلة:
دار حوار بين موظفين بقضاء الأسرة بإحدى محاكم المملكة حول تزايد ملفات طلب الطلاق، فقال عمر: إن نسب الطلاق في تزايد مستمر، ولعل أبرز أسباب الطلاق الركوض وراء القيم المادية كالمال والجاه وانعدام القناعة والرضا بما قسمه الله، فأجابه خالد: بل السبب هو البعد عن التعاليم الدينية وعن سنة رسول الله ﷺ، وهديه في بيته.
فما هي أسرار السعادة الأسرية في البيت النبوي؟
النصوص المؤطرة للدرس:
النص الأول:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي».
[سنن الترمذي، كتاب: المناقب عن رسول الله ﷺ، باب: في فضل أزواج النبي ﷺ]
النص الثاني:
عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا سُئِلَتْ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ؟، قَالَتْ: «كَانَ يَخِيطُ ثَوْبَهُ، وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَعْمَلُ مَا يَعْمَلُ أَحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ ».
[مسند الإمام أحمد]
قراءة النصوص ودراستها:
I – نشاط الفهم وشرح المفردات:
1 – قاموس المفاهيم الأساسية:
يخسف نعله: يخرز نعله بالمخسف.
2 – مضامين النصوص الأساسية:
دعوة النبي ﷺ إلى الاقتداء بخيريته في حسن معاملة أهله.
إخبار عائشة رضي الله عنها عن مشاركة الرسول ﷺ أهله في خدمة أهله.
تحليل محاور الدرس ومناقشتها:
I – الرسول ﷺ الإنسان:
سيرة الرسول ﷺ تحكي حياة إنسان أكرمه الله تعالى بالرسالة، ولم يخرجه من إنسانيته، بل جعله نموذجا للكمال البشري، وتطبيقا عمليا لتعاليم الإسلام الظاهرة والباطنة، ومن أهم تجليات إنسانية الرسول ﷺ تزينه بمكارم الأخلاق التي زكاه بها الله تعالى، حيث قال: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾، فالرسول ﷺ يعتبر قدوة عملية لكل إنسان، فهو الشاب الأمين، والزوج الرفيق، والأب الحنون، والقائد العادل، والتاجر الصادق، والجار الكريم، قال تعالى: ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾.
II – سمو أخلاق الرسول ﷺ في معاملة أهل بيته:
لقد كان النبي ﷺ أسوة لجميع المسلمين في معاملتهم لأهل بيتهم، سواء أكانوا أزواجا أم أبناء أم خدما، ومن تجليات ذلك:
معاملته لزوجاته: يعتبر النبي ﷺ هو النموذج البشري الأسمى والأرقى في معاملته لزوجاته، كيف لا وهو القائل: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي».
معاملته لأولاده وأحفاده: لقد كانت علاقة الرسول ﷺ بأبنائه وأحفاده علاقة قائمة على المحبة والاحترام والحنان، ففي حديث عائشة رضي الله عنها، قالت وهي تحكي عن علاقة النبي ﷺ بابنته فاطمة رضي الله عنها: «وَكَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ قَامَ إِلَيْهَا فَقَبَّلَهَا وَرَحَّبَ بِهَا وَأَخَذَ بِيَدِهَا فَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ، وَكَانَتْ هِيَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَامَتْ إِلَيْهِ مُسْتَقْبِلَةً وَقَبَّلَتْ يَدَهُ».
معاملته لخدمه: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا قَالَ لِي أُفٍّ قَطُّ، وَمَا قَالَ لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ، لِمَ صَنَعْتَهُ، وَلا لِشَيْءٍ تَرَكْتُهُ، لِمَ تَرَكْتَهُ؟».
مشاركته لأهل بيته: عَنِ الأَسْوَدِ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها، مَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: «كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ – تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ – فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ»، وروى أَحْمد وبن سعد وَصَححهُ بن حِبَّانَ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، قُلْتُ لِعَائِشَةَ: مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: «كَانَ يَخِيطُ ثَوْبَهُ، وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَعْمَلُ مَا يَعْمَلُ الرِّجَالُ فِي بُيُوتِهِمْ».
III – تجلي إيمان المؤمن وقيمه في معاملته لأهل بيته:
لما كان الرسول ﷺ أعظم الناس خلقا، وجب على كل مسلم ومسلمة أن يقتدي به في حسن معاملته للأهل والأقارب، وذلك من خلال: الإحسان للوالدين، وحسن معاشرة الأهل والأبناء، والاهتمام بالأقارب والجيران …، لينال العبد حب الله تعالى، مصداقا لقوله سبحانه: ﴿قلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.
IV – كيف اقتدي برسول الله ﷺ وأكون خير الناس لأهلي؟:
نظرا لما اتسم به رسول الله ﷺ من صفات خلقية عالية في مختلف علاقاته، وجب على كل مسلم أن يقتدي به في معاملة أهله وأولاده وجيرانه ومجتمعه، وذلك من خلال:
الاقتداء به ﷺ في البيت والأسرة: بإتباعه ﷺ في طريقة معاملته لأزواجه وأولاده، والتحلي بصفاته عند تعاملنا مع الآباء والإخوة، ومساعدة الأب والأم في أشغال البيت خاصة عند عجزهما عن القيام بها.
الاقتداء بالرسول ﷺ في علاقته مع الجيران: عن طريق المعاملة بإحسان إلى الأهل والجيران والأصدقاء، وتجنب السب والشتم والتلفظ بقول قبيح.
الاقتداء بالرسول ﷺ في العلاقات العامة: باستحضار شمائله وأخلاقه من أمانة وصبر وتسامح وعدل …، وغيرها من الصفات النبوية التي لا تعد ولا تحصى.
خلاصة:
إن اقتداءنا بالرسول ﷺ يجعلنا نتعود على الصفات الحميدة في علاقتنا مع غيرنا، فتَصلُح أحوالنا وتستقيم حياتنا ونحافظ على بيئتنا، ويسود بيننا الود والوئام والمحبة، فنصير كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.