اقرا ايضا
البعث والإحياء
عرف الشعر العربي في عصر الانحطاط فترة مديدة من الركود والضعف والجمود. وطوال هذه المدّة لم يتمكّن هذا الشعر من مواكبة مُستواه الفنّي في عصور الازدهار، بل إنّه لم يستطع حتّى المحافظة على المستوى نفسه، فكانت النتيجة العكسيّة هي ظهور مجموعة من سمات التراجع والتخلّف؛ كالابتذال والركاكة وضحالة المعاني، والصنعة المفرطة. أمام هذا الوضع المتردّي كان لابدّ من التّفكير في بعث الشعر العربي الحديث وإحيائه والارتقاء به إلى مستواه الفني في عصور مجده، فكان السبيل إلى ذلك العودة إلى التراث العربي القديم لاستلهام المقوّمات الفنيّة للقصيدة العربية التّقليديّة في أبهى عصور ازدهارها، وخاصّة روائع الشّعر العبّاسي والأندلسي.
سؤال الذات
ظهرت الرومانسيّة العربيّة في أوائل القرن العشرين اِستجابة لمجموعة من المتغيّرات التاريخيّة والسياسيّة والاقتصاديّة، حيث هيمن على المجتمعات العربية مناخ يسوده القهر، والفقر، والتخلّف، والمعاناة... ومن هنا لم تعُد المدرسة الكلاسيكيّة قادرة، بقيمها التقليديّة، القائمة على تمجيد النموذج القديم، وبأساليبها المستلهمة من العصور العربية القديمة، على مواكبة المرحلة التاريخيّة التي عايشها الشعراء الرومانسيون، الذين التفوا حول مبدإ الحرية والطلاقة، والتعبير عن دواخل النّفس، قصد تحرير الإنسان من سلطة القهر، والتطلّع به إلى عالم مثالي، تؤثث فضاءاته عوالم الطبيعة، أو عالم الغاب بشكل عام.. وقد ساعد على ترسيخ المذهب الرومانسي لدى هؤلاء الشعراء اِنفتاحهم على الثقافة الغربية، وترجمة نصوص أدباء الرومانسية من أمثال: فكتور هيجو، لامارتين، وألفريد دي موسيه، وكولريدج...
تكسير البنية
شكّل شعرُ التفعيلة إبدالاً شعرياً بالغ العمق والفرادة في منظومة الأدب العربي الحديث، إذ تمكّنت القصيدة العربية، في خضم هذا الإبدال، معانقة آفاقٍ إبداعية جديدة، نسفت خلالها القوالب الجاهزة والأبنية الشعرية النمطيّة التي كرّسها شعراءُ الإحياء، وأخلصوا لها مهجتهم، ثم جدّدها، جزئياً، شعراء الرومانسية.
لقد أمَلَى السياق التاريخي، بما حمله في أعطافه من تحولاتٍ سياسية شارخة، ونكسات اقتصادية واجتماعية، زلزلت الوجود العربي، البحثَ عن شكلٍ شعريٍّ يتساوقُ وهذه التحولات. ومن هنا، كانت الانطلاقة الفعليّة لارتياد ملكوت شعريٍّ متحرّر من قيود المواضعاتِ الإبداعية البائدة.
تجديد الرؤيا
تقتضي طبيعة العمل الأدبي الرّاقي أن يُقدّم نظرة شاملة ومُستقبليّة للحياة، وأن يستوعب كلّ اختلافاتها وتناقُضَاتِها، كما يتعمّق في بواطنها... غير مكتف بما هوّ واقع وقائم فقط، بل مُتطلّعاً أيضاً إلى ما هو ممكن ومُتجاوز لحدود الزمان والمكان. ومن ثمة تصهر الرؤيا الشعريّة في بوتقتها خصوصيات الذّات الفرديّة والجماعيّة، وتجعل منها ذاتاً واحدة، وكياناً عضوياًّ مندمجاً بعضه في بعض. بهذه الصفة تمثّل الرؤيا وجهاً آخر للحداثة الشعريّة، بالإضافة إلى تكسير البنية. وبحكم ارتباطها الوثيق بموضوع الحداثة، فقد حرص الشعراء على حضورها في تجاربهم وإبداعاتهم، كما واكبها الكتّاب في تنظيراتهم ونقودهم.
القصة
يدُور جدل واسع فيما إذا كان فنّ القصّة فنّاً عربيّا أصيلاً تمتدّ جذوره إلى أشكال سرديّة تراثية كحكايات ألف ليلة وليلة، والمقامات، والنوادر... أم فنّا دخيلاً استمدّه العرب من الغرب. ومهما يكُن من أمر فإنّ الرّأي الراجح أنّ القصّة بمفهُومها الحديث قد نَشأت في الأدب العربي مَع بداية القرن العشرين، وذلك رَاجِع لمجمُوعة من التحوّلات السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة التي عرفها العالم العربي، مما أدّى بالأدباء إلى البحث عن أشكال أدبية بديلة للتّعبير عن هذه التّحولات، فكانت القصة القصيرة والرواية والمقالة في مقدّمة هذه الأشكال، يُضاف إلى ذلك نشأة الصحافة وتطوّرها والتي كانت منبراً ينشر من خلاله الأدباء ما يُبدعون من قصص، ولا ننسى طبعاً الحوار الثقافي مع الغرب من خلال الترجمات والبعثات الطُلاّبيّة. كلّ هذه العوامل مجتمعة، وغيرها، ساهمت في تبلور فنّ القصّة القصيرة أو الأقصوصة في العالم العربي.
المسرحية
يعدّ المسرح بحقّ أباً للفنون، فهو يحتوي في طيّاته على القصة والسرد، وعلى الموسيقى والغناء، وأشكال الرقص، كما كان في القديم يعدّ من أرقى فنون الشعر نظراً لاعتماده اللغة الفنية الراقية... ولعلّ تعدّد العناصر وتداخل الفنون في العمل المسرحي يطرح إشكاليات على مستوى إعطاء تعريف دقيق لهذا الفنّ، حيث وجدنا من يركّز على اللغة، وعلى النص المسرحي في ذاته، ويعد ذلك جوهر الإبداع المسرحي، كما وجدنا من يركّز على عملية العرض وما يرتبط بها من تمثيل وديكور وإضاءة... ومهما اختلفت تعريفات المسرح فإنه لا جدال حول الوظيفة الجليلة التي يؤدّيها في تربية الناس وتهذيب أذواقهم وأخلاقهم.
المنهج الاجتماعي
يُعْنى المنهج الاجتماعي بالبحث في العوامل الخارجيّة التي تُحيط بالأدب وتؤثّر فيه، ومحاولة تفسيره في ضوء السياق الاجتماعي والظروف الاقتصادية والسياسيّة. ومن ثم فإنَّ هذا المنهج؛ ينتمي إلى التفسيرات العليّة التي تحاول رد الأدب إلى أصوله. وبهذا الاعتبار، فإن المنهج الاجتماعي يبحث، أساساً، عن العلاقات التي تربط الإبداع الأدبي بالشروط الاجتماعيّة المتحكمة في إنتاجه، ومدى تعبيره عن الصراع الدائر في المجتمع.
وقد ظهر هذا المنهج في أوروبا، بداية القرن التاسع عشر، مع مجموعةٍ من النقاد، الذين عملوا على تجاوزِ الأحكام الانطباعيّة والذوقيّة في نَقْدِ الأعمال الأدبية، رغبةً منهم في الارتقاء بالنقد الأدبي إلى مدارج الموضوعيّة العلميّة المجردة من النزعات والأهواء الفرديّة. وتعدُّ الأديبة الفرنسية "مدام دوستايل" أوّل من نبّه إلى ضرورة دراسة الأدب في علاقته بالبنى الاجتماعيّة في كتابها "الأدب في علاقتهِ بالمؤسسات الاجتماعية".
المنهج البنيوي
إذا كان المنهج الاجتماعي يعتبر العمل الأدبي منتوجاً جماليّاً واستهلاكيّاً ينبثق، بما يحمله من دلالات وأبعاد خاصة، من محيطه الاجتماعي؛ ومن ثمة فهو يعدّه رسالة اجتماعية ذات صبغة فنيّة نوعية محدّدة تؤول مسؤولياتها والتزاماتها إلى صاحبها الأديب أو الكاتب المبدع... فإنّ المنهج البنيوي يقوم على مبدإ المقاربة النّقديّة المحايثة لهذا العمل نفسه حريصاً على تحديد عناصر ومكونات بنياته، والوقوف عند علاقاتها وأنساقها ومستوياتها المختلفة للكشف من خلال ذلك كله عما يميزه من خصائص.