دروس البكالوريا Bac 20

اقرا ايضا

دروس الفلسفة للثانية باك آداب و علوم إنسانية

عندما يتم الحديث عن فلسفة الأنساق، يحيلنا ذلك بالأساس الى مكونات النسق الفلسفي الأساسية: الوجود ء المعرفة ء القيم، وضمن هذا المكون الأخير يمكن أن نتكلم ولو بشكل منهجي تعليمي صرف، عن علوم أو مباحث هي: مبحث الجمال، ومبحث المنطق، ومبحث الأخلاق. فما هو المجال الذي يهتم به هذا المبحث الأخير إذن ؟ إنه ذلك المجال الذي يقوم على دراسة وتأمل السلوكات، والتصرفات والأفعال وتحديد الغايات التي تصبو إليها، وفق قواعد معيارية تسمح لنا بتمييز الخير عن الشر، وبالتالي تحديد ما ينبغي فعله وما لا ينبغي فعله. انطلاقا من عملية التحديد هذه ينكشف أول مفهوم يمكن تناوله أخلاقيا وهو مفهوم الواجب. فما المقصود بالواجب إذن ؟ وما الذي يمنحه هذه الصفة ؟ هل يرتبط هذا المفهوم بالفرد أم بالجماعة، أم أنه يتخطاهما ليأخذ طابعا شموليا، يتجاوز النسبية والفردانية أو الخصوصية الى الشمولية والكلية والكونية ؟ وسواء كان الواجب فرديا أو كونيا، فما هو الطابع الذي يتخذه ؟ هل يتخذ طابع الإلزام والإكراه والخضوع للقوانين الوضعية التي تكون كل مخالفة لها تحت طائلة العقاب أم يتخذ طابع الالتزام والاختيار، وبالتالي الخضوع للقوانين الذاتية الأخلاقية ولنوع آخر من العقاب، هو عقاب الضمير الأخلاقي (كانط، غويو، هيوم) ؟ إن الحديث عن وجود قوانين ذاتية أخلاقية سوف يدفعنا الى التساؤل عن طبيعة الوعي الأخلاقي أو ما نسميه أحيانا بالضمير الأخلاقي، فما هي طبيعة هذا الوعي أو الضمير الأخلاقي ؟ هل هو ضمير فطري يقوم على الغريزة التي تدفع الإنسان الى التمييز بين الخير والشر، أم أنه وعي أخلاقي مأساوي يقوم على نوع من العنف والقسوة الموجهين ضد الذات (روسو، برينتانو، نيتشه) ؟ إن الحديث عن الواجب كواجب أخلاقي يمكن أن يقودنا أيضا الى طرح تساؤل آخر هو: ما طبيعة العلاقة التي تربط بين الواجب الأخلاقي والمجتمع ؟ هل تعتبر سلطة المجتمع هي ما يخلف الواجب الأخلاقي بحيث يكون هذا الأخير مجرد ترديد لصوت المجتمع وصدى له، أم أن الواجب يمكن أن يتجاوز حدود هذا المجتمع أو ذاك ليتخذ طابعا كونيا يتجاوز الالتزام تجاه المجتمع الى التزام تجاه الإنسان كإنسان (دور كايم، إنجلز، برغسون) ؟

يرتبط مفهوم الواجب أيضا بالسعادة، فما هي مختلف التمثلات المتعلقة بهذه الأخيرة وكيف يمكن تجاوزها لبناء تصورات تتخطى ما هو عام ومشترك الى ما هو فلسفي ؟ هل تعتبر السعادة استعدادا طبيعيا أم أنها بمثابة فعل وممارسة، وهل تعتبر العناصر المشكلة لها عناصر حسية تجريبية، أم أنها عناصر عقلية مفهومية، ثم هل ينبغي ربط السعادة بما هو كائن أم بما ينبغي أن يكون (أرسطو، كانط، ألان) ؟ ماهي العناصر اللازمة التي يعتبر توفرها ضروريا لتحقيق السعادة هل هي العيش المشترك مع الآخرين، أي الأسرة أم أن رقة الإحساس ورهافة ورقة الذوق ورفاهته، هما ما يسمح بتحقيق السعادة أم أنه لتحقيقها يلزم أن نعيش اللحظة الحاضرة لأننا لا نكون سعداء إلا قبل أن نكون سعداء (روسو، هيوم، شوبنهاور) ؟

أية علاقة يمكن أن تقوم بين السعادة والواجب وهل في الالتزام بالواجب تحقيق للسعادة ونيل لها ؟ ثم ما هي طبيعة الواجب الذي تقوم عليه السعادة هل هو واجب الاهتمام الودي بالأشياء والأشخاص أم واجب مقاومة الصعاب وعدم الرضوخ لها، أم أنه يتجاوز هذا وذاك الى ذلك الكشف الصوفي الذي يتخطى عمل العقل ويقوم على السيرة والأخلاق (راسل، ألان، الغزالي) ؟

يرتبط مفهوم الواجب بالحرية أيضا، نظرا لكونه يشير الى ما ينبغي القيام به إما بشكل إلزامي أو على شكل التزام أخلاقي، في حين تشير الحرية عموما الى القدرة التي يملكها الفرد على فعل ما يريد.

انطلاقا من ذلك يرتبط الواجب بالحرية من خلال الفعل، إلا أنهما يبدوان وكأنهما متعارضان ولو على مستوى الظاهر، وليتجاوز ذلك يلزم التدقيق في مفهوم الحرية. فهل يعتبر هذا المفهوم مفهوما واضحا بذاته أم أنه من اللازم الانفتاح على مفاهيم مجاورة له بهدف توضيحه ؟ من أين تستمد الحرية مشروعيتها هل تستمدها من الإرادة الإنسانية أم من قواعد وقوانين خارج تلك الإرادة ؟ ما هو وضع الإنسان وأفعاله في علاقتهما بالحرية ؟ هل تعتبر تلك الأفعال كلها أفعالا حرة أم أنها تخضع للحتمية أم أن منها ما يمكن اعتباره فعلا قائما على الحرية، ومنها ما لا يكن اعتباره كذلك ؟ هل ينبغي للحرية أن تكون مطلقة حتى تعتبر حرية حقيقية، أم أنها لكي تكون كذلك ينبغي أن تكون محدودة ببعض الضرورات والشروط التي لا يمكن تخطيها (ابن رشد، ميرلوبونتي، سبينوزا) ؟

تنفتح أيضا مسألة الحرية على الإرادة فما هي طبيعة العلاقة الممكنة بينهما ؟ هل الحرية هي تلك الملكة التي تسمح للإنسان بإناج القانون الأخلاقي الذي لا يتعارض مع الإرادة الحرة أم أنها خضوع لإشراطات نفسية واجتماعية وتاريخية ؟ هل تستطيع الإرادة الحرة أن تختار في جميع المجالات بحرية وأن تصدر أحكامها من دون أي عائق يقف في وجهها، أم أنها تستطيع فعل ذلك في مجال دون آخر ؟ هل تتجه إرادة الإنسان الى القيم والأخلاق ونفي كل ما هو مادي غريزي، أم أن هذا التورع لا يعدو أن يكون نزوعا مضادا للطبيعة الإنسانية (ابن باجة، كانط، نيتشه) ؟

ومن زاوية أخرى تنفتح الحرية على القانون بحيث تصبح التساؤلات التالية ضرورية: هل تتعارض الحرية مع الخضوع للقوانين، سواء كانت وضعية أم أخلاقية ؟ هل ينبغي على الجهة الممثلة للقانون إلغاء كل ما يتعارض مع القوانين، أم أن مفهوم الإلغاء هذا يعتبر متعارضا مع الحرية ومناقضا لها (مونتسكيو، العروي، أرندت) ؟

full-width

كتابة تعليق

اكت تعليقك هنا

أحدث أقدم