اقرا ايضا
تمهيد إشكالي
ما إن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها حتى بدأت تظهر معالم التحولات الترابية والسياسية لأوربا بعد مؤتمر الصلح، ورصد تحول الثقل الاقتصادي العالمي خارج أوربا.
- فما هي ظروف انعقاد مؤتمر الصلح؟
- وما هي بنوده؟
- وما هي التحولات الترابية والسياسية؟
- وكيف تحول الثقل الاقتصادي العالمي إلى خارج أوربا؟
ظروف انعقاد مؤتمر الصلح وبنود معاهدة السلم
ظروف انعقاد مؤتمر الصلح
انعقد مؤتمر السلام في قصر فرساي بباريس ما بين يناير ومايو سنة 1919م، وهيمنت فيه الدول الأربع الكبرى:
- الولايات المتحدة الأمريكية بزعامة وودرو ويلسون، وكان يهدف إلى عدم إضعاف ألمانيا للحفاظ على السلم العالمي.
- فرنسا بزعامة رئيس وزرائها جورج بنجامين كليمنصو، وكان من اشد الدعاة لإضعاف ألمانيا بشكل كبير لا حتى تفكر في تهديد بلاده في المستقبل.
- إنجلترا مثلها ديفيد لويد جورج رئيس الوزراء، وكان يرغب في تحقيق التوازن الدولي، وتبنى موقف ويلسون من ألمانيا.
- إيطاليا بقيادة رئيس وزرائها فيتوريو إمانويلي أورلاندو، وكان همه تمكين ايطاليا من بعض الأراضي التركية كمقابل لها عن مشاركتها في الحرب.
بنود معاهدات السلم: المضمون وردود الفعل
فرضت معاهدة فرساي في 28 يونيو1919م على ألمانيا، فتضمنت تحميلها مسؤولية حدوث الحرب، وإلزامها بأداء التعويضات، وتحديد عدد جيشها في 100 ألف جندي، وإلغاء الخدمة العسكرية، وتجريد منطقة الراين من السلاح، وإرجاع منطقتي الألزاس واللورين إلى فرنسا، ووضع منطقة السار تحت إشراف عصبة الأمم، وضم شمال شلزفيك للدانمرك بعد إجراء الاستفتاء، وتأسيس بولونيا وإعطائها ممرا على البلطيق، وتجريد ألمانيا من المستعمرات ووضعها تحت انتداب فرنسا (القسم الأعظم من الطوغو، والكاميرون، وجنوب غرب إفريقيا)، واليابان (الجزر الألمانية بالمحيط الهادي)، واستراليا (غينيا الجديدة)، وتعويضات مالية عن الخسائر الحربية حددت ب 132 مليار مارك ذهبي سنة 1921م، وقد شجب الألمان شعبا وحكومة مختلف البنود التي تضمنتها المعاهدة باعتبارها لا تستند لأية شرعية قانونية وسياسية، وبموازاة مع ذلك فرضت معاهدات قاسية على باقي الدول المنهزمة، منها:
- معاهدة سان جرمان 10 شتنبر 1919م مع النمسا: تضمنت فصل هنغاريا عن النمسا، واقتطاع أجزاء من أراضيها لصالح الدول المجاورة (يوغوسلافيا، تشيكوسلوفاكيا، ايطاليا، بولونيا، رومانيا، واليونان)، إضافة إلى تحديد قواتها العسكرية.
- معاهدة تريانون 04 يونيو 1920م مع المجر: شملت اقتطاع أجزاء من أراضيها لصالح الدول المجاورة (يوغوسلافيا، تشيكوسلوفاكيا، ايطاليا، بولونيا، رومانيا، واليونان)، إضافة إلى تحديد قواتها العسكرية.
- معاهدة نوبي 27 نونبر 1919م مع بلغاريا: تضمنت اقتطاع بعض مناطقها لصالح الدول المجاورة (اليونان، يوغوسلافيا، رومانيا)، وتحديد ومراقبة قواتها العسكرية.
- معاهدة سيفر 11غشت 1920م مع تركيا العثمانية: تضمنت التنازل عن مناطقها العربية لصالح فرنسا وإنجلترا، ومناطقها بأوربا لصالح الدول المجاورة، ووضع مضيقي الدردنيل والبوسفور تحت الرقابة الدولية.
التحولات الترابية والسياسية لأوربا بعد مؤتمر الصلح
الخريطة السياسية الجديدة لأوربا
أدت قرارات مؤتمر السلام ومعاهدات الصلح إلى تغيير الخريطة السياسية لأوربا، تمثلت في سقوط الإمبراطوريات العظمى (ألمانيا، النمسا/المجر، تركيا العثمانية، روسيا القيصرية)، وتوسعت رومانيا بضمها لأقاليم مولدافيا وفالاشيا، كما ظهرت دول جديدة (تشيكوسلوفاكيا، يوغوسلافيا ...) على حساب أقليات قومية، ظلت وضعيتهم معقدة وقابلة للانفجار.
أهداف عصبة الأمم لتنظيم العلاقات الدولية وبوادر فشلها
لضمان الأمن والاستقرار الدوليين، وتوثيق التعاون بين الدول وتنميتها، تأسست عصبة الأمم يوم 28 أبريل سنة 1919م بضغط من الولايات المتحدة الأمريكية، لتنظيم العلاقات الدولية استنادا للمبادئ الأربعة عشر التي جاء بها الرئيس ويلسون، واتخذت من جنيف مقرا لها، وتتكون من أربعة أجهزة رئيسية هي:
- الجمعية العامة: بمثابة هيئة تشريعية تجتمع مرة في السنة، وتصوت على القرارات بأغلبية الثلثين، ومن اختصاصاتها قبول الأعضاء الجدد، وانتخاب أعضاء المجلس غير الدائمين، وإعادة النظر في المعاهدات، وتصديق الموازنة.
- مجلس العصبة: جهاز تنفيذي يتكون من خمسة أعضاء دائمين (الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، إيطاليا، فرنسا واليابان)، وأربعة أعضاء غير دائمين، يجتمع ثلاث مرات في السنة، ويصوت على القرارات بالإجماع، ومن اختصاصاته مراقبة إدارة الأراضي الموضوعة تحت الانتداب، ومراقبة حماية الأقليات، ومراقبة معاهدات الصلح.
- الأمانة العامة: جهاز يسهر على الأعمال الإدارية، تتألف من الأمين العام، ومساعد واحد وثلاثة نواب، إضافة إلى عدد من الموظفين، ومن مهامها تنفيذ قرارات المجلس والجمعية العامة، وتهيئة الأعمال الضرورية لعملهما، وتهيئة موازنة العصبة.
- محكمة العدل الدولية: تأسست سنة 1922م للفصل في النزاعات بين الدول، وتمثل الجهاز القضائي للعصبة.
تحول الثقل الاقتصادي العالمي إلى خارج أوربا
انهيار بنية الاقتصاد الأوربي وتفاقم الديون غداة الحرب
دمرت أربع سنوات ونصف من الحرب أغلب الموارد الاقتصادية الأساسية لأوربا، حيث انخفض إنتاج الفحم الحجري ب %30، وخربت الأراضي الفلاحية التي كانت مسرحا للعمليات العسكرية، ووقع نقص حاد في استعمال الأسمدة، وتراجعت حمولة الأسطول التجاري الأوربي عالميا من %90 إلى %70، فوجدت أوربا نفسها سنة 1919م أمام أزمة اقتصادية خانقة، فوجهت أنظارها إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتلبية حاجياتها العسكرية والغذائية والمواد الأولية، مما أدى إلى تفاقم الديون الأمريكية على دول الحلفاء، حيث بلغت 4،4 مليار دولار لبريطانيا، و2،7 مليار دولار لفرنسا، و1،05 مليار دولار لايطاليا ...
استفادة بعض الدول غير الأوربية من الحرب
استفادت الولايات المتحدة الأمريكية واليابان من تمويلهما للحرب العالمية الأولى، حيث سخرتا كل إمكانياتهما الفلاحية والصناعية لتلبية الحاجيات العسكرية والغذائية للدول المتحاربة، وهكذا ارتفعت صادرات الولايات المتحدة الأمريكية من 2،3 مليار دولار سنة 1914م إلى 4،2 مليار دولار سنة 1916م، إلى 6،2 مليار دولار سنة 1919م، كما تضاعفت صادرات اللحوم لكل من الأرجنتين والبرازيل واستراليا نحو أوربا، وتطور إنتاج السكر في كوبا والبرازيل بفعل الطلب الأوربي المتزايد، وهكذا ساهمت الحرب في تراجع الدور الأوربي في التجارة العالمية لصالح قوى اقتصادية حديثة كاليابان والولايات المتحدة الأمريكية.
خاتمة
لعبت الحرب العالمية الأولى دورا أساسيا في خلق تحولات سياسية واقتصادية وترابية عميقة، استمرت طيلة فترة ما بين الحربين.